هكذا وبتلك المقولة صوَّر المخرج العالمي مصطفى العقاد الأهمية البالغة لوسائل الإعلام ودورها المركزي في التغيير، لكنَّ ذلك كان منذ عقود، وقبل أن يعتلي الإعلام قمة كل السلطات على الإطلاق مُبالغاً في تأثيره وفارضاً سطوته على الجميع.
من دون شك فنحن نعيش الآن عصر سمته الأساسية القلق والاضطرابات السياسية وتصاعد ما يُسمّى بحروب الجيل الخامس حيث الإعلام التقليدي وغير التقليدي هو أداته الأكثر فتكاً، ولكن ماذا يعني مفهوم حروب الجيل الخامس، وما هي أدواتها، وكيف يجري توظيف وسائل الإعلام بها؟ وما علاقتها بنظرية المؤامرة؟
يتفق كثير من الباحثين على تقسيم الحروب لأجيال متعاقبة لكل منها أساليبه وسماته الخاصة، وهي حروب الجيل الأول: وفيها كانت الجيوش النظامية تحارب بعضها البعض، فهي الصورة التقليدية للحروب القديمة، وهو النظام من الحروب الذي بدأ بعد معاهدة ويستفاليا عام 1648م، تلك المعاهدة التي اعتبرها البعض تدشيناً لنشأة الدولة القومية الحديثة، والحروب النابليونية هي أبرز الأمثلة على هذا الجيل من الحروب.
حروب الجيل الثاني: فهي أشبه بحروب العصابات، والجيوش المتحاربة فيها كانت تتكتل في تحالفات، وتنتشر الجيوش بها في خطوط دفاعية وهجومية معاً، ومعارك الحرب العالمية الأولى هي أبرز الأمثلة على هذا الجيل من الحروب.
حروب الجيل الثالث: وهي حروب استباقية، أو حروب وقائية، أو أنها حرب المناورات واستخدام المدرعات والطائرات لنقل القوات لقلب جيش العدو، وتتسم بسرعة الحركة، وتوظيف عنصر المفاجأة، والحرب خلف خطوط العدو عبر إيجاد طابور خامس، وأبرز مثال عليها هو خطط الجيوش إبان الحرب العالمية الثانية.
حروب الجيل الرابع: وقد اعتمدت على الميديا بشكل أساسي، أي وسائل الإعلام التقليدي منها أوالجديدة، وتتمتع باللامركزية إلى درجة كبيرة، وهي تقوم بعمليات الإرهاب والتخريب ونشر الفوضى وزعزعة الاستقرار ومفاقمة الدعوات الانفصالية والهجوم الفكري والثقافي عبر استخدام شبكات الاتصالات، وتتبدى في شكل تنظيمات منتشرة حول العالم لها خلايا نائمة تنشط لضرب مصالح من تعتقد أنه عدوها .
وتعتمد على العامل النفسي بكثافة، وقد عرَّفها البروفسير ماكس ج مانوارينج أستاذ الدراسات العسكرية والاستراتيجية بأنها:”الحرب التى تندلع لأجل إفشال الدولة وتقويض استقرارها ومن ثم يتهيأ المسرح لفرض واقع سياسي جديد”.
ومصطلح حروب الجيل الرابع تم استخدامه لأول مرة من قبل ويليام لِند وفريق باحثين مصاحب له بالولايات المتحدة عام 1989م في مقالة بحثية بعنوان “الوجه المتغير للحرب: نحو الجيل الرابع”.
حروب الجيل الخامس وتُعرف اختصاراً هكذا ، ظهر هذا المصطلح في الغرب منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وهي نسخة مطورة من حروب الجيل الرابع، إذ تهدف إلى احتلال عقول البشر عن طريق التكنولوجيا الحديثة بدلًا من احتلال الأرض، لإسقاط الدول من الداخل وتفتيتها، وتحويلها لمجموعات متناحرة تحارب بعضها، ونشر حالة من الإرباك عبر إشاعة الفوضى، كما يتم استخدام المواطنين كسلاح ضد دولتهم عبر إضعاف الانتماء وقتل الروح المعنوية لهؤلاء المواطنين.
وفي تلك الحروب يجري توظيف كل القوى الناعمة بشكل مكثف، فهدفها المركزي هو إفشال الدولة المستهدفة من دون تدخل عسكري، فهي تهاجم الشعوب بالأساس وليس الجيوش، وهي بمثابة حرب فكرية، تعتمد بشكل أساسي على بث الفتنة والشائعات بين الشعوب، واللعب على أوتار الخلافات الدينية أو العرقية أو المذهبية وغيرها، كما تسمى (الحروب بالوكالة)، إذ يخوضها وكلاء أو مرتزقة نيابة عن الجهة الفاعلة والمُخطِّطة لإجبار الدولة المستهدفة على الرضوخ لمطالب قد تتنافى مع مصالحها العامة.
تعليق