اردوغان يواصل التصعيد العسكري في المنطقة
أمَامَ إِصْرَارِ الدولة الوطنية السورية على تحرير كامل
أراضيها من رجس الإرهاب، وبسط سيادتها الكاملة على محافظة إدلب بوصفها جزءًا من
أراضي الجمهورية العربية السورية، وإِصْرَارِ الحليف الروسي على تطبيق بنود أستانا
وسوتشي الموقعة بين الرئيسين: التركي، رجب طيب أردوغان والروسي، فلاديمير بوتين،
في 17 سبتمبر/ أيلول 2018، والتي حدّدت منطقة خفض التصعيد في إدلب التي استثنت
التنظيمات الإرهابية من أي وقف لإطلاق النار ،منزوعة السلاح عرضها بين 15 و20
كيلومترا؛ خالية من السلاح الثقيل، وإبعاد الفصائل الإرهابية عنها ،والفصل بين
الفصائل المعتدلة والإرهابية ، ومحاربة الأخيرة، خصوصا “هيئة تحرير الشام” المصنفة
من الأمم المتحدة منظمة إرهابية، وفتح الطرق الدولية “إم 5″ و”إم 4” ، و أكَّدَتْ
على سيادة سورية، وسلامة أراضيها ووحدتها، ولم تكن تلك التفاهمات تهدف بأيِّ حالٍ
من الأحوال إلى السماح للتنظيمات الإرهابية بأن تجعل إدلب وما حولها معقلاً لها أو
أن تواصل اتخاذ المدنيين هناك رهائن ودروعا بشرية،أمام هذا الإصرار السوري الوطني
و الروسي، قدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابًا ، أمام الكتلة النيابية لحزب
العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة يوم الأربعاء 19فبراير/شباط2020،دعا فيه ، إلى
أنَّ “عملية إدلب باتت وشيكة “، ولن نترك المنطقة للنظام السوري الذي لم يدرك بعد
حزم بلادنا”. وأضاف: “سنحول إدلب إلى منطقة آمنة، ونحن جاهزون رغم استمرار
المباحثات”.
وكان رئيس النظام التركي أردوغان هدّدفي الخامس من فبراير/شباط
الحالي، الدولة الوطنية السورية بإطلاق عملية عسكرية ضد الجيش العربي السوري في
إدلب، في حال لم ينسحب مع نهاية الشهر الحالي، إلى ما وراء النقاط التركية في
منطقة خفض التصعيد، التي تضم كامل إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب
الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي.
في المباحثات الأخيرة التي جرت في موسكو بين الوفدين الروسي و
التركي يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين ،أشارت مصادر مختلفة، إلى أن الروس قدموا
خريطة جديدة بمساحة أقل عن تلك التي قدموها في الاجتماع الأول في أنقرة. وتعطي
الخريطة الجديدة لتركيا نفوذاً لا يمتد سوى نحو 16 كيلومتراً من حدودها بعمق إدلب،
فيما كانت الخريطة السابقة تمتد من الخط الحدودي وحتى الطريق الدولي حلب –
اللاذقية “إم 4″، الذي يمر بمحافظة إدلب، أي بعمق 30 كيلومتراً. إلا أنَ الجانب التركي
لا يزال يبدي تشدداً، لجهة مطالبته بانسحاب الجيش العربي السوري من كامل “منطقة
خفض التصعيد”، وإلا فإنَّ الحل العسكري بات على الطاولة.
رد روسيا علي تصعيد اردوغان
خطاب أردوغان التصعيدي، قابله ردٌّ سريعٌ من الكرملين، الذي
أصدر بيانًا يوم الأربعاء19فبراير/شباط2020،ردًّاعلى التهديدات التي أطلقها الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان، جاء فيه:إنَّ “إمكانية تنفيذ عملية عسكرية تركية ضد
النظام السوري هي السيناريو الأسوأ”، مستدركًا بقوله: “موسكو تعتزم مواصلة
الاتصالات مع أنقرة، لمنع تأزم الوضع في إدلب”.وتابع البيان : “لسنا راضين عن
تنفيذ اتفاق سوتشي، بسبب الهجمات على الجيش السوري ومنشآتنا العسكرية في سوريا”،
بحسب تعبير وزارة الدفاع الروسية.
وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنَّ
“الحديث حاليا ليس عن العودة إلى ما كان عليه الوضع بإدلب قبيل عام ونصف، وإنما
تنفيذ اتفاق سوتشي”.وأضاف لافروف خلال مؤتمر صحفي: “إنَّنَا لم نقدم شروطًا جديدة
في المحادثات الروسية التركية بموسكو، وطلبنا فقط تنفيذ اتفاق سوتشي”، معتبرًا
أنَّ “تركيا لم تنجح في فصل المعارضة الوطنية السورية عن الإرهابيين، ضمن المحددات
الزمنية للاتفاق”، وفق قوله.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أنَّ بلاده عازمة
على استمرار التواصل مع تركيا حتى لا تسمح بتصعيد الوضع في إدلب. وقال: “لقد شعرنا
بالرضا عن الاتفاقات التي تم التوصل إليها قبل أكثر من عام في سوتشي، وهذا الرضا
كان متبادلاً. وبعد الأعمال الهجومية التي شنها المسلحون والجماعات الإرهابية ضد
القوات المسلحة السورية والمنشآت العسكرية الروسية في إدلب، لم نعد راضين. وهنا
انتهى رضانا”.
اردوغان يضع تركيا في موقف صعب
ؤكد المحللون في المنطقة العربية أنَّ المواجهة العسكرية بين
قوات أردوغان المحتلة لجزء من الشمال السوري ، و الجيش العربي السوري المصمم على
تحرير كل أراضي الجمهورية العربية السورية الخارجة عن السيادة الوطنية للدولة
السورية، لا تخدم نظام أردوغان بالمرّة، ولغير صالحه، حتى و إن كان أردوغان يمتلك
“فاض قوة” في المنطقة.
لقد اختارت الدولة الوطنية السورية و حليفتها الروسية التوقيت
الدقيق لخوض حرب تحرير للشمال الغربي من سورية، وفي القلب منه أرياف حلب وحماة
وإدلب و الطرق الدولية التي تربط حلب بدمشق، وحلب اللاذقية، في وقت أصبح فيه
النظام التركي بقيادة أردوغان يعاني فيه من أزمة في محيطة الإقليمي و الدولي ،إذ
تورّط النظام التركي في أكثر من صراع وملف ساخن، من الاشتباك مع قبرص على خلفية
التنقيب على الغاز في المياه الاقتصادية للجزيرة، تنقب في ما تعتبره المياه
الاقتصادية لدولة قبرص التركية التي لا يعترف بها سوى تركيا من بين كل الدول، إلى
الاشتباك مع اليونان على خلفية الخلاف على حدود المياه الاقتصادية، وعدم اعتراف
تركيا بمياه اقتصادية لجزر بحر إيجة التابعة لليونان، والاشتباك مع دول منتدى شرق
المتوسط الذي يضم مصر وقبرص واليونان والكيان الصهيوني على حدود المياه
الاقتصادية، وعلى مد خط أنابيب لنقل الغاز من شرق المتوسط إلى دول جنوب أوروبا،
والانخراط في نزاع سياسي مع دول أوروبية، على خلفية تدخل تركيا في ليبيا، عبر عقد
مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج ، المعترف بها دوليا:
واحدة لتخطيط حدود المياه الاقتصادية بين الدولتين، وأخرى لتقديم دعم عسكري
للحكومة الليبية لتثبيت حكم الإخوان المسلمين في طرابلس ، وصدَ هجوم قوات اللواء
المتقاعد، خليفة حفتر، على طرابلس، العاصمة السياسية والمالية للبلاد، والانخراط
في معارك سياسية وإعلامية مع محور مصر والسعودية والإمارات والبحرين، على خلفية
تبنّي تركيا جماعة الإخوان المسلمين، وتقديم دعم سياسي وإعلامي لها، وتأييد موقف
قطر في مواجهة الحصار الذي فرضته هذه الدول عليها؛ ودعم هذا الرباعي قوات سوريا
الديمقراطية (قسد) سياسيا وماليا، والانخراط في الصراع الصومالي، عبر دعم النظام
القائم في مواجهة حركة الشباب الإسلامية المتطرّفة، دعمًا عسكريًا واستثماريًا
وإقامة قاعدة عسكرية دائمة، نزاع سياسي مع الولايات المتحدة حول دعم الأخيرة
“قسد”، والشكوك حول موقفها من محاولة الانقلاب الفاشلة، وعدم تقيد تركيا بالعقوبات
الأميركية على إيران.
وهذا مع تطوير علاقاتها مع روسيا عبر عقود استثمارية وتجارية،
خط أنابيب “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى دول أوروبا، والاتفاق معها على
بناء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء وشراء أنظمة صواريخ إس 400، وانحياز الإدارة
الأميركية لليونان ودول منتدى المتوسط للغاز، ما عمّق التناقضات بينهما وطبع
العلاقة بالسلبية محققا رغبة روسية دقّ إسفين بينها وكل من الولايات المتحدة وحلف
شمال الأطلسي (الناتو) على أمل حصول قطيعة دائمة) حسب رأي محلل سوري لصحيفة العربي
الجديد بتاريخ 18فبراير2020).
لهذه الأسباب مجتمعة، فإنَّ دخول أردوغان الحرب مع الجيش العربي
السوري في محافظة إدلب، ليست في صالح تركيا، لأنَّ موازين القوى على الأرض شهدتْ
تغييراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، بعد أن تدخلت روسيا عسكريًا في
الحرب منذ 30ستمبر 2015، فأي تدخل عسكري تركي واسع النطاق ،سيجد نفسه وجهاً لوجه
مع قوة عسكرية عظمى، هي روسيا، والتي توفر غطاء جوياً لتقدّم قوات الجيش العربي
السوري نحو إدلب. ورغم مطالبة تركيا الولايات المتحدة الأمريكية بنشر بطاريات
صواريخ باتريوت على أراضيها لمواجهة الطيران السوري و الروسي، فإِنَّه لا الولايات
المتحدة، ولا حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وارد تقديم دعم عسكري لها، في حال
اشتعال شرارة حرب بينها وبين الجيش العربي السوري السوري،وبالتالي قد تجد نفسها
وحيدة أمام روسيا.
وتدرك تركيا جيدًّا المعطيات السابقة، ولكنها تجد نفسها عالقةً
في فخٍ محكم، وهو ما يحدّ من مرونة حركتها ويضيق من خياراتها. فزمام المبادرة في
الحرب، هو بيد الجيش العربي السوري، الذي يريد تحرير مدينة إدلب،لا سيما بعد هرب
قرابة مليون مدني سوري نحو الحدود التركية الجنوبية،لكنَّ ما يخيف نظام أردوغان هو
سيطرة الجيش العربي السوري على الحدود المشتركة بين سورية وتركيا
تعليق