المرتزقة هم أخطر بكثير من الجنود النظاميين، يمارسون أفعالا لا تخطر على بال، آلة حرب وقتل متعطشة للدماء، كلما أزهقت أرواح ترتفع بورصتهم»، متابعاً: «أشخاص انفصلوا عن صلاتهم الوطنية، يجتمعون فيما بينهم في رحلات النهب والرعب، لا ينطبق عليهم ما ينطبق على البشر، معاركهم شخصية، الواحد منهم لا يستطيع طلب الذخيرة من زميله المرتزق إذا انتهت زخيرته، هم بلا مشاعر أو ضمائر، لأنه ببساطة لا ضمائر لبشر مهنتهم القتل مقابل المال».
يحكي أبو كاميران : «أنا السبعيني أستاذ التاريخ نزحت مبكرا إلى مدينة حلب بعد أيام قليلة من بدء العدوان التركي على مدينة عفرين في 2018»، متسائلا: «كيف لي أن أبقى في عفرين وأنا أعرف جيداً ماهية هؤلاء المأجورين، كنت على يقين من أن مهمتهم لن تنتهي بمجرد احتلال الأتراك لعفرين بل مهمتهم الحقيقية ستبدأ بعد ذلك... زرعوا الفوضى والرعب ونهبوا وسرقوا وخطفوا واغتصبوا ومارسوا أفظع الجرائم بحق البشر، وبحق أشجار الزيتون، كانوا ينتقمون من الأرض ويفرغون جام غضبهم عليها».
توفيت زوجة أبو كاميران بعد احتلال عفرين بأشهر قليلة، أما عن سبب الوفاة فيقول: «إنه القهر؛ لم تتحمل غزو الأغراب لعفرين، لم تكن أم كاميران تعاني من أي مرض، وهناك العديد من الأقرباء وأصدقاء ومعارف قتلوا قهرا».
في مارس (آذار) 2018 احتلت الدولة التركية ومسلحو الفصائل السورية التابعة لها، منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب السورية، وبحسب المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا، إبراهيم شيخو: «في ظل العدوان التركي على منطقة عفرين، نزح مئات الآلاف من أهالي عفرين الأصليين من ديارهم، حيث نزح أكثر من 300 ألف مدني حتى الآن من عفرين، فيما النزوح القسري ما زال مستمراً من عفرين تحت ضغط الاحتلال التركي ومرتزقة الفصائل المسلحة السورية الموالية له بهدف التغيير الديموغرافي للمنطقة».
ويفيد شيخو في حوار لـ«المجلة» معه من مخيم «سردم» لنازحي عفرين، الذي أنشئ في منطقة الشهباء التابعة لمحافظة حلب، والتي تبعد عن عفرين عدة كيلومترات، يقول: «عمليات الخطف والقتل وأغلبها كانت بغاية طلب الفدية المالية، مستمرة، تم اختطاف أكثر من 7343 مدنيًا خلال ثلاث سنوات من الاحتلال، ومصير أكثر من نصفهم لا يزال مجهولاً، أما وضع النساء في عفرين، فقد تم توثيق 70 حالة قتل منها خمس حالات انتحار من النساء و68 حالة اغتصاب، إضافة إلى الاعتداءات التي تتعرض لها النساء بشكل يومي»، متابعاً: «وقام المرتزقة بقطع ما يزيد على 314400 شجرة زيتون وأشجار حراجية أخرى، وذلك للاتجار بحطبها، وحرق أكثر من 11 ألف شجرة زيتون وأشجار حراجية متنوعة، وحرق ما يزيد على ثلث المساحة المخصصة للزراعة والتي تقدر بأكثر من 11 ألف هكتار منذ احتلاله لعفرين وحتى الآن والاستيلاء على الآلاف من منازل المدنيين المهجرين قسراً وتحويل العشرات منها إلى سجون ومعتقلات ومقرات تابعة لعناصر الفصائل المسلحة التابعة للاحتلال التركي والمتاجرة بها بيعاً وشراءً، والاستيلاء على محصول الزيتون وتصديره إلى تركيا عبر معبر قرية حمام الحدودية بناحية جنديرس، والذي أنشأه الاحتلال التركي في العام الماضي لتسهيل عملية عبور محصول الزيتون والمسروقات وبيعه كمنتج تركي في الأسواق العالمية مثل أسبانيا وأميركا»، مشيراً «دمر المرتزقة أغلب الأماكن والمواقع الأثرية المدرجة على لائحة اليونسكو خلال الهجمات على عفرين، مثل معبد عين دارا، النبي هوري، كهف الدودرية، قبر مار مارون وغيرها العديد من المواقع الأثرية وتمت سرقة القطع الأثرية»..
ويضيف: «منذ قرابة الشهر والنصف أقدمت مجموعة من مرتزقة (السّلطان مراد) والتي تعمل بأمر مباشر من قبل الاستخبارات التركية، على اختطاف فتاة لا يتجاوز عمرها 13 عاماً في حي الزيدية في مركز عفرين المحتلة، وأنّ الفتاة قد تعرّضت للاغتصاب والعنف الجنسيّ من قبل تلك المجموعة، كما اختطفوا فتاة قاصرة تدعى فاطمة محمد رش كايلة (16 عاماً)، مع شقيقها القاصر من أهالي قرية ميسكة (mûskê) التابعة لناحية راجو، منذ قرابة 20 يوماً ولا يزال مصيرهما مجهولاً، أما مرتزقة الحمزات فقد اختطفوا عائلة عفرينية كاملة من أهالي قرية كفرشيل التابعة لمركز مدينة عفرين منذ قرابة شهر، ومصيرهم لا يزال مجهولاً»، منوها: «الاحتلال التركيّ ومرتزقته تمادوا في انتهاكاتهم بحقّ النساء، ضاربين بعرض الحائط كافّة القوانين والمواثيق والعهود الدولية ذات الصّلة، منها: معاهدة جنيف عام 1948، ومعاهدة لاهاي لعام 1879، وغيرها من الاتفاقيّات الدولية».
وما نقلناه من إبراهيم شيخو من الانتهاكات التي يرتكبها المرتزقة بشكل يومي في عفرين، يطلع عليها أبو كاميران عبر هاتفه المحمول... وحيدا في شقته بحلب يحاكي التاريخ الذي طالما عاش معه وخبره، وهذا ما جعله يعرف معدن الشر القادم إلى مدينتهم عفرين، لذا قرر مبكرا قبل اشتداد المعارك أن يرحل لأنه تيقن أن التاريخ لن يخزل تصوره فيما سيحمله هؤلاء إلى عفرين.
تعليق