قبل أسبوع تعرضت إيران لهجوم سيبراني قوي استهدف البنى التحتية للدولة، الأمر الذي أعاد لساحة النقاش قضية الأمن السيبراني حول العالم من جديد.
من المؤكد أنه من بين أهم القضايا التي باتت تشغل العالم في حاضرات أيامنا تأتي قضية العالم الافتراضي والفضاء السيبراني، ذاك الذي أضحى واقعا موازيا للعالم الحقيقي، بل لا نغالي إن قلنا أنه في بعض الأوقات يكون خطره أكثر دموية ، لا سيما وأن صداماته تجري بعيدا عن الأعين.
وإن كانت لا تغيب بالطبع عن القائمين عليه من خبراء متمرسين وراء الشاشات، في محاولة للتأثير على مجريات العالم السياسية والاقتصادية من جهة، والمعطيات الأمنية والعسكرية من جهة ثانية، ومرد هذا وذاك أن جزءا كبيرا من الصراعات بين القوى العظمى في العالم، قد انتقلت من ميادين القتال الكلاسيكية إلى شبكات الإنترت والعالم الرقمي.
المؤكد أن هذا المصطلح وبدون الإغراق في التعبيرات التقنية لم يطف على سطح المشهد العالمي إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بخمسة عقود تقريبا، ولم تتضح آثاره إلا مع بدايات القرن الحادي والعشرين، حين أضحت شبكات التواصل الإلكتروني هي من يقوم بالتحكم في دفة غالبية الأنشطة الإنسانية، من شبكات الدفاع إلى وسائل الهجوم، ومن بورصة الأوراق المالية، إلى مجال الرحلات الجوية، ومن وسائل الانتقال على الأرض إلى السفن المبحرة في عباب البحار.
وباختصار أضحت مسألة الأمن الخاص بالمعلومات المنتقلة عبر الأثير الإلكتروني إن جاز التعبير مجالا ممهدا لحياة إنسانوية أرقى وأسرع، وفي الوقت عينه مهددة حال جرت بها المقادير على اعتبار أنها أداة للشر، ما أدى إلى ظهور قناعة عند الاستراتيجيين العسكريين تحديدا بأنها المجال الخامس في الحروب بعد البر والبحر والجو والفضاء.
أفضل من أشار إلى الفاعلين الحقيقيين في عالم الفضاء والأمن السيبراني، يعد البروفيسور الأميركي جوزيف. اس. ناي، المفكر الأمريكي صاحب رؤية "القوة الناعمة"، وعنده أن هناك عدة قوى حول العالم تمثل العناصر المحركة الرئيسة في هذا المجال:
أولا، الدول بمختلف أحجامها، كبرى أو صغرى، فقد باتت مسألة الشراكة في الفضاء السيبراني ميسرة لأصحاب العقول، غير أن الهجومات السيبرانية ربما هي التي تحتاج إلى دول كبرى فاعلة تمتلك بنى تحتية سيبرانية لإحداث خسائر في أعدائها على المستوى الدولي.
ثانيا، قوى غير دولية ، أصغر في مقدراتها من الدول، وقد تكون أقرب إلى الكيانات الأممية، وعادة ما يكون لهولاء أهدافا تخريبية، إلا أن قدرتهم على القيام بعمليات واسعة النطاق تعوزها مساعدة أجهزة استخبارات دولية، وإن كان من اليسير عليها اختراق المواقع الإلكترونية واستهداف الأنظمة الفاعلة.
ثالثا، وسائط التواصل الاجتماعي العالمية الكبرى مثل "فيسبوك" و"جوجول" وتويتر" وما شابه، وهذه تمتلك قدر من المعلومات يسر لها قدرات تفوق في واقع الحال قدرات بعض الدول، ومن خلال تلك المعلومات تستطيع اختراق الأسواق السيبرانية، بل توجه المجتمعات وتشكل الراي العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق