رغم أن "الفكرة الإسلامية" على الأرجح سوف تستمر ، فإن فاعليها السياسيين يواجهون صراعا وجوديا للنجاة من الهجمات الشرسة التي تعرضوا لها خلال العقد المنصرم.
خلال الأسبوع الماضي تعرض رئيس البرلمان التونسي وحركة النهضة راشد الغنوشي إلى هجوم عنيف، على خلفية تعليقات أدلى بها إثر لقاء مع السفير الفرنسي.
إذ أنه على إثر سلسلة من الهجمات العنيفة، شنت الحكومة الفرنسية حملة ضد الجالية الإسلامية في فرنسا، وقامت بغلق بعض المنظمات الخيرية، وفرضت مراقبة على بعض أعضاء الجالية ومن بينهم أطفال، إلى جانب استجوابهم بخصوص معتقداتهم السياسية والدينية. وفي نفس الوقت طالبت الحكومة قادة الجالية بتبني ميثاق يدعم القيم الفرنسية، والتنصل من الإسلام السياسي.
هذه الإجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة الفرنسية جوبهت بموجة إدانات في كافة أنحاء العالم، تضمنت دعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية في عديد الدول ذات الغالبية المسلمة.
وفي هذا الإطار جاءت تعليقات راشد الغنوشي، التي أثارت الاستغراب في أنحاء العالمين العربي والإسلامي. إذ أنه بعد لقاء مع السفير الفرنسي المعين حديثا في تونس، أكد الغنوشي على أن التطورات الداخلية في فرنسا لن تؤثر على العلاقات بينها وبين تونس، وقال: "لقد عبّرنا دون تردّد عن تضامننا مع الدولة الفرنسيّة والشعب الفرنسي الشقيق خلال الأحداث الارهابية الأخيرة، ونؤكّد أنّنا نُحارب جميعا عدوا واحدا هو الإرهاب، وتونس تواجه هذا الخطر كسائر دول العالم."
الشيء الذي فاجئ الكثير من المتابعين لم يكن تعبير مسؤول رفيع المستوى في المنطقة العربية عن هذه المشاعر، بل كان صدور هذه التصريحات عن أحد الأباء المؤسسين لحركة تعود جذورها إلى النشاط الإسلامي الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين.
وبصفتهم حركات معارضة، فإن الإسلاميين كانوا دائما في طليعة من ينددون بقمع السلطة للمسلمين، سواء تعلق الأمر بحكوماتهم أو بدول أخرى حول العالم. وكحركة سعت لخوض الانتقال المعقد من جماعة معارضة محظورة إلى حزب حاكم خلال العقد الماضي، فإن هذه الحادثة تثير الأسئلة حول ما إذا كانت تجربة السلطة السياسية قد غيرت إيديولوجيتها وممارساتها بشكل لا رجعة فيه.
ومع مرور عقد كامل على اندلاع الثورات العربية التي فتحت الباب أمام عصر غير مسبوق من مشاركة الأحزاب الإسلامية في السلطة في عدد من الدول، ينبغي النظر في التأثيرات طويلة المدى التي تركتها هذه الأحداث التي أدت لإعادة تشكيل طبيعة النشاط الإسلامي كما نعرفه.
وسواء تعلق الأمر بحركة النهضة، التي باتت تمثل جزء ثابت من تركيبة الحكومة التونسية منذ سقوط النظام الدكتاتوري في 2011، أو الإخوان المسلمون في مصر الذين وجدوا أنفسهم مجددا في موقعهم المعهود كمعارضة مضطهدة، على إثر الإنقلاب العسكري وموجة القمع في 2013، أو تشكيلة الأحزاب الإسلامية في أنحاء المنطقة العربية التي مرت هي أيضا بظروف متقلبة، فقد أصبح واضحا أن المهمة التقليدية التي ميزت النشاط الإسلامي خلال جزء كبير من نصف القرن الماضي لم تعد موجودة.
تعليق