لا يُعتبر النظام الرأسمالي مجرد نظام اقتصادي يتم تطبيق آلياته في منطقة معينة خلال سياق زمني محدد، بقدر ما يعد ثمرة نتاج تطور تاريخي ممتد، يعكس قيم العمل واحترام القانون وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك، لم يتمكن هذا النظام من إنقاذ العديد من دول العالم من التعرض لأزمات اقتصادية طاحنة، دفعت المجتمعات للوقوف والاحتجاج والمطالبة بتغيير أو تعديل هذا النظام الرأسمالي الذي انحرف عن مساره الرئيسي، وتحول إلى ما يطلق عليه "الرأسمالية المتوحشة" أو على أقل تقدير "البلوتوقراطية"، مما دعا البعض للقول بأفول الرأسمالية.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالًا بعنوان: "صراع الرأسمالية: المعركة الحقيقية من أجل مستقبل الاقتصاد العالمي، أعده الخبير الاقتصادي "برانكو ميلانوفيتش"، الذي حاول فيه التمييز بين نموذج الرأسمالية الليبرالية القائم على الجدارة والذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية، ونموذج الرأسمالية السياسية الذي تمثله الصين، مع بيان مميزات وعيوب كل منهما، ورؤيته الاستشرافية لمستقبل الرأسمالية.
أكد "ميلانوفيتش" أنه رغم كل التغيرات المتسارعة فإن الرأسمالية ما زالت النظام المهيمن عالميًّا مع استثناءات طفيفة، فالرأسمالية هي الوسيلة الوحيدة المستمرة للإنتاج. وفي حين يشير البعض إلى أنها تواجه تهديدًا متجددًا من الاشتراكية، فإن الحقيقة هي أن الرأسمالية موجودة لتبقى وليس لها منافس. أما المعركة الحقيقية فهي تدور داخل الرأسمالية نفسها، حيث أصبح هناك نموذجان يتصارعان ضد بعضهما بعضًا.
في التاريخ البشري، غالبًا ما يعقب انتشار نظام أو دين معين، انقسام بين أشكال مختلفة من هذا النظام أو العقيدة، فبعد انتشار المسيحية -على سبيل المثال- في جميع أنحاء البحر المتوسط والشرق الأوسط، مزقتها النزاعات الأيديولوجية، والتي أنتجت في نهاية المطاف الكنائس الشرقية والغربية.
كذلك الأمر مع الإسلام، الذي أعقب توسُّعَه انقسامٌ بين السنة والشيعة. والشيوعية التي تعد المنافس الأول للرأسمالية في القرن العشرين انقسمت إلى السوفيتية والماوية. وفي هذا الصدد، لا تختلف الرأسمالية عن هذا السياق التاريخي، فقد أصبح هناك نموذجان لها يختلفان في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تعليق