بيدّان مرتعشتان وقدمان منكمشتان، يجلس مُغمض عيناه متمتمًا بالدعاء متمنيًا الوصول بسلام، على متن طائرة انطلقت للتو مُحلقة بالسماء، وبينما ينشغل الجميع بمتعة مراقبة حركة السُحب والتفكير بجولات الرحلة القادمة، ينشغل هو بما يملئ قلبه من أصوات دقات عالية تتسارع في الضرب على أوتار أعصابه و صحته، وتعلوها أصوات عقله بسيل من الأسئلة حول السقوط والموت والنجاة.
هو الشعور ذاته الذي ينتاب شخص غير قادر على تجاوز رعب الأماكن المرتفعة، فيقف بعينان حائرتان، متوتراً بعيداً عن أسوار الشرفات وكأن اقترابه خطوة واحدة سيلقي به إلى الحياة الأبدية، وكذلك الخوف من الأبواب المغلقة والدم والعناكب والحشرات، وغيرها كثيراً من أنواع الفوبيا المختلفة, لكن الفارق هنا، أن هؤلاء حالات تقاوم رعبها بالمحاولة، بالمقابل هناك أخرين مجرد الفكرة تثير رعبهم حد وقوف القلب.
الفوبيا هي حالة من الخوف الشديد المتواصل عند حدوث مواقف معينة، تصيب صاحبها بضيق لا يستطيع تجاوزه، خوف ممزوج بمشاعر مضطربة من سرعة ضربات القلب، وضيق في التنفس، مع اضطرابات بالمعدة، والشعور بالدوار، والدوخة والغثيان, فالخوف هو أكثر شعور إنساني لا يمكن تخطيه بسهولة، وكذلك الإجبار على مواجهة المخاوف تزيد كثيراً من توتر الأشخاص،ومع تطور التكنولوجيا والانترنت وهنا جاء دور الواقع الافتراضي.. واجعلنا نتعرف في السطور التالية على كيفية مساعدة الواقع الافتراضي للأشخاص لتخطي مخاوفهم ومعالجتها, وفقاً لدراسة NCBI (المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية بتطوير العلم والصحة) وهو جزءاً من المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة.
يساعد التعرض التدريجي للمخاوف باستخدام الواقع الافتراضي، على تخطي التوتر، فهي أكثر طريقة آمنة وفعالة لمعالجة الأشخاص، حيث تعتبر أفضل كثيراً من التعرض للواقع الحقيقي، لأنها تغمر العقل في بيئة ثلاثية الأبعاد، لتثير كل حواسه وتخلق حالة من نفس الأحاسيس الحقيقة عن قرب.
وما يجعلها فعالة أكثر هو شعور الشخص أنه جالس في مكان آمن ومُدرك أنها وسيلة إلكترونية لن تصيبه باي مكروه، فتمكنه من تحدي الأفكار والمعتقدات السلبية التي تزيد من مخاوفه، وبالتعرض لعدة جلسات تحت إشراف معالج نفسي متخصص يبدأ مباشرة بالتخلص من سلوك الخوف, في هذا النوع من العلاج، يتعرف الشخص على الأفكار والمشاعر السلبية المحيطة بمخاوفه، ثم يحدد الأفكار، ويكون قادر على استبدال هذه المعتقدات المتوترة بأخرى أكثر إيجابية، ويبدأ بالتعرض لمخاوفه تدريجياً بما يتشابه مع الجرعات الصغيرة من الدواء.
وتختلف الجلسات بحسب حالة الخوف والفوبيا، فعلى سبيل المثال في حالة رهاب الطيران يجلس الشخص على كرسي، ويضع زوجًا من نظارات علاج الواقع الافتراضي على عيناه، ليشاهد محاكاة للجزء الداخلي من مقصورة الركاب في الطائرة، مع إمكانية النظر حولهم لرؤية جميع جوانب الأماكن الداخلية. ولم يتوقف الأمر هنا فقط بل يسمع أصوات الطائرة ويشعر بكل تفاصيلها من حركة وكلمات المضيفات مع اهتزازات بالكرسي عند الإقلاع والهبوط، تماماً مثلما يشعر الشخص بالطائرة الحقيقية.
تعليق