سقوط المشروع السياسي للاخوان المسلمين علي يد المصريين ليس بالحدث التاريخي العادي فسوف نري تداعياته وهي تتكشف علي التنظيم نفسه اقليما ودوليا مفجرة قضاياه الداخلية والعقائدية
التي لم يحسمها لأكثر من ثمانين عاما بسبب جموده الفكري اوالفقهي و السرية وعدم الشفافية وتركز سلطة القرارات في يد مكتب الارشاد العام و داخل الشبكة العائلية الضيقة المحتكرة للمناصب القيادية بالتنظيم. وليس هدف هذا التقرير الحكم المسبق علي قدرة الإخوان ولا علي جماعات الإسلام السياسي السلفية المتشددة علي المراجعة الفقهية و الحركية في مواجهة تغييرات محلية و اقليمية ودولية متسارعة.
ولكن كشف ملابسات وأبعاد هذه التجربة والحالة الكهفية التي سجن فيها هذا التنظيم نفسه ودفع باعضائه, بسبب قسم الطاعة للمرشد, لحالة من الشتات الفكري والتشدد بسبب الصدام مع الانظمة السياسية الحاكمة و الاضطرار للهجرة لبلاد اخري يعانون فيها من ازمة التعبير عن هويتهم الإسلامية والتكييف مع مجتمعات غير اسلامية وخاصة في اوروبا العلمانية فلا يبقي امامهم سوي التمرد علي سطوة الجماعة والخروج منها او القبول بالعيش في حالة من القلق بلا نهاية وهو ما ترصده السطور التالية.
فهناك اجماع بين الباحثين والإخوان المتمردين او المطرودين من الجماعة ان أحد اسباب السقوط المبكر لمشروع الدولة الإسلامية للجماعة في الجزائر ومصر وفي القريب العاجل في غزة وتونس.
هو توقفها عند تعليمات مؤسسها ومرشدها الاول حسن البنا وأن التشدد العقائدي لبعض أجنحتها مثل القطبين نسبة للمفكر سيد قطب او الجهاديين التكفيريين هو اتساق مع المصدر الفقهي المتشدد الذي استقي منه البنا افكاره والذي يمتد لفكر الخوارج منذ حوالي1400 سنة.
فالبنا في مجموعة رسائله يؤكد ان دعوته سلفية بالعودة لمعين الإسلام الصافي من كتاب الله وسنة رسوله, وهي دعوة سنية بالعمل بسنة الرسول في كل شيء, وهي حقيقة صوفية لطهارة النفس ونقاء القلب, ولكنها ايضا هيئة سياسية تعني باصلاح الحكم والمطالبة به لتنفيذ او لتطبيق التشريع الإسلامي.
ويري ان قعود المصلحيين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة اسلامية لا يكفرها الا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من ايدي الذين لا يدينون باحكام الإسلام الحنيف. و يري ان الطريق لذلك هو قوة العقيدة والايمان والوحدة والارتباط بين اعضاء الجماعة ثم قوة الساعد والسلاح, ويري ان استخدام القوة هو شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته. وهو ما استخدمته الجماعة بالفعل تاريخيا في كثير من مراحل صراعها السياسي.
و الشيخ البنا معارض لفكرة الاحزاب السياسية رغم انه كان فعليا حزبا سياسيا، والبنا لم تكن عينه فقط علي مصر لنشر دعوته بل سعي لنشرها خارج مصر في حياته للسودان والمغرب وغيرها..
ففكرة التنظيم الاقليمي والتنظيم الدولي قائمة في فكر البنا منذ البداية واتباعه من بعده اتساقا مع فكرة الخلافة الإسلامية. و سعي البنا خلال زيارته للسعودية للحج في عام1936 ولقائه مع الملك عبد العزيزآل سعود ان يقنع الملك بفتح فرع لتنظيم الإخوان في السعودية الا ان الملك حسب الباحث السعودي عبد الله العتيبي رفض ذلك قائلا كلنا اخوان مسلمون.
وذكر العتيبي ان حسن البنا ملأته فكرة الهجرة بدعوته لبلد آخر الا انه عدل عنها عقب لقائه بالملك عبد العزيز. وعرض ملك السعودية حتي وان لم يؤكد وثائقيا الا انه يبدو منطقيا ومتسقا مع السياسة التي كان يسعي لتطبيقها الملك عبد العزيز لتحجيم الإخوان الوهابين السلفيين المتشددين من البدو من اتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي.
باعتبار ان اخوان البنا قد يكون من وجهة نظر الملك وقتئذ- وسطيين او اقل تشددا من الإخوان الوهابيين الدمويين خاصة ان البنا لم يكن قد انشأ بعد التنظيم الخاص الذي تولي عمليات اغتيالات المناوئين للاخوان المسلمين..
تعليق