الأحد، 10 سبتمبر 2023

شربل

صلاحية تطبيق الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة الإرهاب

شربل بتاريخ عدد التعليقات : 0

مكافحة الارهاب في الجزائر

منذ ما يقرب من عشرين عامًا تمَكّن النظام الجزائري في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من تطبيق ما يُعرف بقانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية، مع تنظيمات إرهابية حملت السلاح في وجه الدولة، وقررت فيما بعد تسليمه، متراجعةً عن عنف أوقع الجزائر في بحر من الدماء خلال عشر سنوات كاملة.

وإذا كانت استراتيجية مكافحة الإرهاب التي طبقتها الجزائر في ذلك الوقت لوقف العنف، قد بنيت على مرحلتين؛ الأولى تَمَثَّلَت في المواجهة الصلبة للإرهاب، والثانية في إدماج ومصالحة التنظيمات الإرهابية، التي قَبِلَت بأهم شروط الدولة الجزائرية، وهو تسليم السلاح قبل تطبيق إجراءات العفو، مع عزل هؤلاء عن العمل السياسي.

 فهل يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية في الوقت الراهن لمواجهة إرهاب ينشط في دول عربية وإسلامية، وفقًا لنموذج عالمي، وهل يمكن إعادة إدماج عناصر هذه الجماعات الارهابية التي تختلف تمامًا عن الحركات المحليّة المسلحة التي واجهت الجزائر، من حيث النشأة ومنابع التجنيد ومنصات التمويل؟

إنَّ الشرط الأساسي الذي بُنيت عليه الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب في ذلك الوقت، المتمثل في تسليم السلاح والعودة من الجبال قبل التفاوض مع مؤسسات الدولة- قد يظل حاجزًا ومانعًا لتطبيق تلك الاستراتيجية في أيٍّ من دول المنطقة التي تواجه الإرهاب منذ خمسِ سنوات تقريبًا. 

المؤكد أن التنظيمات الإرهابية الحالية لن تلقيَ سلاحها أرضًا، كما أنَّ الدول التي تمولها وتمدها بالسلاح ستقف حائطَ صَدٍّ أمام قبول هذه التنظيمات، خاصةً المحليّة منها بهذا الشرط، الذي يمثل العمود الفقري للمرحلة الثانية من الاستراتيجية الجزائرية.

ما حدود تطبيق الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة الإرهاب، التي تَبَنَّاها النظام الجزائري في التعامل مع الظاهرة الإرهابية المنتعشة في بعض الدول؟ نشير إلى أن مَنْ يردد تطبيق هذه الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب، أو تطبيق تجارب ورؤى مستنسخة منها، ولم تجرب بعد، مثل نظرية الحل السياسي للإرهاب، هي بعض وسائل الإعلام الغربية، التي بدأت تطالب مؤخرًا -وفقًا لوجهة نظر مغلوطة- بتطبيق التجربة الجزائرية، معتبرةً أن مواجهة الإرهاب في مصر وليبيا وفي بعض الدول العربية والإسلامية يتطلب تدخلًا سياسيًّا.

ويكفي هنا للتأكيد عن زيف هذه الرؤية وقيامها على أسانيد مغلوطة، أنه لا توجد تجربة واحدة في أيٍّ من دول العالم قدمت حلولًا سياسيةً للجماعات الإرهابية منذ ظهور تنظيم القاعدة حتى تنظيم داعش. كما أن الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب، التي يستنسخ منها هؤلاء وِجهة نظرهم، لم تستخدم، هي أيضًا الحل السياسي، إلا بعد مواجهة التنظيمات الإرهابية بالسلاح من قِبل قوات الأمن والجيش، إضافةً إلى أن تطبيق قانون الوئام المدني والمصالحة تم على جماعات ألقت السلاح، وقررت الاندماج في الدولة، أي أن التجربة الجزائرية في مواجهة الإرهاب جمعت بين المقاربتين الصلبة والناعمة، وبالتدريج وليس جرعة واحدة.

ورغم إسهام الاستراتيجية الجزائرية في إنهاء العنف الدموي، الذي ارتكبته تلك الجماعات، وإعادة إدماج ما يقرب من 15 ألف جهادي، فإنه لا يمكن تعميمها في كل الدول التي يمارس فيها الإرهاب الراهن، ولا يمكن تفعيل جميع مرتكزاتها في بعض الدول؛ حيث إن اختلاف الظروف والسياقات التي تولّد فيها الإرهاب منذ يونيو 2013.

إضافةً إلى تشابك عناصر الظاهرة الإرهابية الراهنة، وتجاوزها حدود الدولة، وتفاعل الجماعات المحليّة مع تنظيمات عابرة للقارات، مثل التنسيق بين جماعة الإخوان في مصر وتنظيم داعش- يؤدي إلى إبطال صلاحية هذه الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب في دول كثيرة، ويُفشل الرؤى المستنسخة منها أيضًا، فلكل بلد خصائصه وتحدياته.

مما سبق يمكن القول إن مواجهة التنظيمات الإرهابية الناشطة في بعض دول المنطقة العربية والإسلامية، يتطلب تطبيق الشق الصلب فقط من الاستراتيجية الجزائرية، مع تأجيل الشق الثاني منها، المتمثل في الإدماج الاجتماعي والسياسي لفترة غير محددة؛ بسبب رفض التنظيمات الحاليّة التوقف عن ارتكاب العنف، الذي تستخدم فيه أنواع الأسلحة كافةً. 

إضافةً إلى عدم توافر عامل رئيسي كان من عوامل نجاح التجربة الجزائرية، وهو دور الوسيط لجماعات الإسلام السياسي في تسكين العنف ومساندة الدولة ضد جماعات العنف؛ حيث إن بعض جماعات الإسلام السياسي في الجزائر، مثل حركتي مجتمع السلم «حمس» والنهضة، لعبت دور الشريك مع الدولة في مواجهة تلك الحركات المسلحة، وقامت بدور الوسيط في إعادة إدماج المسلحين وحثهم على إلقاء السلاح.

وهذا الشرط لا يتحقق في الوقت الراهن؛ بسبب تحول الكثير من جماعات الإسلام السياسي إلى تنظيمات إرهابية، وقيامها بتوجيه عناصرها إلى حمل السلاح في مواجهة مؤسسات الدولة، على سبيل المثال جماعة الإخوان في مصر، وجماعات الإسلام السياسي في ليبيا.

صلاحية تطبيق الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة الإرهاب
تقييمات المشاركة : صلاحية تطبيق الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة الإرهاب 9 على 10 مرتكز على 10 ratings. 9 تقييمات القراء.

مواضيع قد تهمك

تعليق