تعتبر بلجيكا الدولة التي تم اختيار عاصمتها بروكسل لكي تكون مقر الاتحاد الأوروبي، وصارت أحد المراكز الرئيسية للسياسة الدولية، تواجه اليوم معضلة رئيسية في التعامل مع مواطنيها المسلمين الذين يتجاوز عددهم 700 ألف، خاصة بعد تصدر بلجيكا قائمة الدول الأوروبية، التي سافر منها متطرفون للانضمام لتنظيم «داعش» في سوريا والعراق مقارنة بعدد السكان.
وتسعى الحكومة البلجيكية لوجود هيئة وطنية تختص بإدارة شؤون المسلمين، تستطيع من خلالها الإشراف على المؤسسات الإسلامية في البلاد، ومتابعة داعمي الفكر المتشدد، وسط أبناء الجالية المسلمة، وضمان نشر أئمة المساجد، رسائل الاعتدال والوسطية في خطبهم الدينية، إذ يوجد في العاصمة «بروكسل» وحدها أكثر من 300 مسجد.
ويتنافس كثيرون في تقديم خدمات للمسلمين في بلجيكا، والادعاء بأنهم ممثلون للجالية المسلمة، وكان «الإخوان» من أوائل من سعوا لهذا الهدف من خلال تأسيس المركز الإسلامي في بروكسل، ورابطة مسلمي بلجيكا فى 1997، وتسعى الجماعة الإرهابية لنشر أفكارها المتشددة عبر هذه المؤسسات التي تدير عدة مساجد في مناطق مختلفة من بلجيكا.
وتنظم الرابطة عدة مناسبات تستضيف خلالها قيادات إخوانية، وكشف تقرير للبرلمان البلجيكي نشر مؤخرًا، عن حجم الأموال التي تتلقاها الرابطة من الخارج، إذ تلقت تبرعات من دولة قطر عام 2014 فقط تقدر بأكثر من مليون يورو.
ويواجه المركز الثقافي الإسلامي في بلجيكا، انتقادات في وسائل الإعلام البلجيكية حول نشر عاملين فيه لأفكار متشددة، وقامت السلطات البلجيكية بطرد إمام المسجد العام الماضي بدعوى نشره فكرًا متطرفًا حفَّزَ مسلمين للسفر إلى سوريا والعراق؛ للقتال مع تنظيم «داعش».
كما تم ذكر المركز الثقافي في تقرير حكومي نشر فى نوفمبر 2017، عن الأماكن التي يقوم فيها أشخاص بالترويج لأفكار متطرفة.
وتعد الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا، التي يديرها أشخاص على صلة بالحكومة المغربية، وتم تأسيسها عام 1996، أكثر المؤسسات التي تتعامل مع مجتمع المسلمين، وتخطط الهيئة لإنشاء معهد لتدريب الأئمة والمستشارين الإسلاميين، كما أبرمت الهيئة شراكة مع إدارات السجون البلجيكية للتعامل مع المساجين المسلمين.
ويبدو أن الهيئة هي المرشح الأوفر حظًّا في التعاون مع الحكومة البلجيكية، لكن قد تواجه السلطات تحدي فقدان ثقة الجالية المسلمة في الهيئة إذ شعروا أنها هيئة حكومية، وتخوف المسلمون من محاولة دمج أفكار ذات طابع أوروبي تتناقض مع الإسلام في الرسائل والقيم التي تروج لها الهيئة.
ويمثل العائدون من مناطق الصراع في سوريا والعراق المعضلة الثانية التي تواجهها الحكومة البلجيكية، فمن أصل 500 بلجيكي عاد أكثر من 100 إلى بلجيكا مرة أخرى، منهم من يرغب في استعادة حياته مرة ثانية بعد انخداعهم في شعارات التنظيم الإرهابي، لكنَّ هناك آخرين قد ينفذون عمليات إرهابية بعد عودتهم ردًّا على الخسائر العسكرية التي مُنِي بها تنظيم «داعش».
وتحاول الحكومة من خلال الإدارات المحلية التعامل مع هذا الملف الشائك، وهناك بعض المحليات استطاعت تحقيق إنجاز في التعامل مع العائدين من «داعش»، كمدينة «فليفورد» الواقعة شمال العاصمة بروكسل، حيث سافر الكثير من المتشددين إلى منطقة الحرب في صفوف تنظيم «داعش».
وكان من عوامل نجاح هذه المدينة في إدارة أزمة العائدين من «داعش»، عمدتها هانس بونته، الذي يعرف الغالبية منهم بشكل شخصي، وهو يفتخر بحالة ناجحة تتعلق بشخص تمكن بفضل مساعدة المدينة من إعادة ترتيب حياته، وعثر على عمل مناسب، وقال بونته عندما سأل عنه: «أطلعنا صاحب العمل على ماضي الرجل، وصاحب العمل منحه فرصة».
لكن لا يعتقد الجميع بأن هذا الأسلوب في التعامل ينجح بشكل واسع، فبيتر فان أوستايين، أحد المتخصصين في متابعة نشاط المتشددين البلجيكيين، يقول في حوار صحفي مع صحيفة بلجيكية بأن داعمي «داعش» يظهرون بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن عند سؤاله عن مدى قوتهم الفعلية، قال: «هذا الأمر نعرفه في الواقع عندما يقومون بضربة جديدة».
تعليق